نشر بجريدة الواقع الالكترونية في 18/12/2013
- صناعة الآلهة صناعة مصرية ( بإمتياز ) ، لم تبدأ في هذا العصر ، وإنما هي صناعة قديمة ورثناهــــــا عن أجدادنا الفراعنة .
وإذا كان المصريون القدماء قد برعوا في
تشييد الأهرامات ، وبناء المعابد ، وإقامة المسلات ، والتي أصبحت على مدى
التاريخ من المعجزات والمعالم الأثرية التي أبهرت العالم ، فقد برعوا أيضا
في صناعة الآلهة ، فكان ( تحوت ) إله الحكمة ، و( حورس ) إله الشمس ، و (
حتحوت ) إلهة الأمومة والطفولة والحب ، و(ست ) إله الصحراء والعواصف ،
وغيرهم من مئات الآلهة التي تذخر بها مراجع التاريخ الفرعوني القديم ،
وكلهـــــــا أوهام صنعتهــــــا أيد الكهنة , وباركهــــــا الحكام , و
صدقهــــــــا الناس .
كما جعل القدماء من الحاكم ( نصف إله )
وأضاف الحاكم لنفسه النصف الآخر وإدعى أنه إله ( كفرعون موسى ) ، حيث كان
الولاء المطلق له ، والقدسية لأفعاله وأقواله ، والثناء الذي لا ينقطع له
آلاء الليل وأطراف النهاء ( الى حد النفاق) ، ومن هنا كانت البداية .
في عصرنا الحديث وفي ظل الثورة
العلمية والمعلوماتية فشلنا في فك أسرار الأهرامات ، أو التعرف على سبب
تعامد الشمس مرتين سنويا على قدس الأقداس في معبد الكرنك ( 3 ) أيام ، وعلى
قدس الأقداس بمعبد قارون ليوم واحد ، وعلى قدس الأقداس بمعبد الدير البحري
الذي شيدته الملكة حتشبسوت ، وبقدر فشلنا هذا فقد نجحنا ( بإمتياز ) في
معرفة أسرار صناعة الآلهة ، والتي إتضح أنهـــــــــــا لاتحتاج الى كثير
جهد ، فقط تقديس أعمال الحاكم ، وجعل الثناء له مع الشهيق والزفير ، وقبل
الأكل وبعده .
ونجحت التجربة مع الرئيــــس جمال عبد
الناصر ، والرئيس السادات ومبارك ، فصنعت لهم الأغاني التي تتغنى بأمجادهم ،
ونشرت عنهم الكتب التي تتحدث عن إنجازاتهم ، وتفرغ الإعلام المسموع
والمقروء والمُشاهد للحديث عن أخبارهم على مدار الساعة .
الآن يجري الإعداد للفرعون الجديد ،
حيث تم تدشين حملة ( كمل جميلك ) للتقديم له ، ووضع أحد الأحزاب صوره على
صدر صفحات جريدته ، وطالب آخرون بوضع صوره على أغلفة الصحف والمجلات ، وأكد
آخرون أنه لا بديل عنه رئيسا لمصر ، وتسابق خبراء تفسير الأحلام في تفسير
حلمه الأخير ، حتى حسم أمره أخيرا ولم يمانع في الترشح للرئاسة .
سعادة الفريق في زحمة شلالات الثناء من
البعض ، وأنهار المديح من آخرين ، وسطوع أضواء كاميرات الإعلام وصحفه
وإذاعاته لا تنسى دروس التاريــــخ وعظاته ، فكما برع المصريون في صناعة
الآلهة ، فقد نجحوا أيضا في تحطيمهـــــــا عندما أرادوا ، فرئيس مصر
الأول محمد نجيب قضى (30 ) سنة تحت الإقامة الجبرية بمنزل زينب الوكيل
بعيدا عن السياسة وعلى هامش الحياة حتى توفى في (28 ) أغسطس 1984 م ،
والرئيس جمال عبد الناصر أشيع أنه مات مسموما في (28 ) سبتمبر 1970 م ،
وقتل الرئيس السادات يوم عرسه العسكري السنوي في ( 6 ) أكتوبر 1981 م ،
ومبارك من المتوقع أنه سيقضي أيامه الأخيرة خلف القضبان الباردة ، ومحمد
مرسي سيلحق به ، فلا تغتر بأضواء الكاميرات ولا بشلالات الثناء والمديح ، والحذر ... الحذر من كهنة فرعون وسحرته فمازالوا يعيشون بيننا نراهم في الفضائيات ونسمعهم بالإذاعات ونقرأ لهم بالمجلات والصحف ، فالطريق الى كرسي قصر الإتحادية أصبح معبدا بأسنة الرماح ، وأن الجلوس عليه جلوسا على الجمر .
في كتابه كنت رئيسا لمصر ( صفحة 129، 130 ) كتب
محمد نجيب : العبارة الأخيرة التي قالهـــــــا لي فاروق ( إن مهمتك
صعبة جدا فليس من السهل حكم مصر) ، ........ ساعتها كنت أتصور أننا سنواجه
كل مانواجهه من صعوبات الحكم باللجوء الى الشعب ، لكنني الآن أدرك أن
فاروق كان يعني شيئا آخر لا أتصور أن أحدا من الذين حكموا مصر أدركوه ، وهو
أن الجماهيــر التي ترفع الحاكم الى سابع سماء هي التي تنزل به الى سابع
أرض .... لكن لا أحد يتعلم الدرس .
ملاحظة حتى لايساء الظن كلمة الفرعون تعني الحاكم .
محمد الشافعي فرعون